قال سيبويه : ولو قال لا تطع آثما ولا كفورا لا نقلب المعنى ؛ إذ ذاك ، لأنّه حينئذ لا تحرم طاعتهما كليهما. انتهى.
أقول : لا يخفى أنّ ما نقله عن ابن كيسان هو الأجود ، وما حكاه عن سيبويه من انقلاب المعنى على ذلك التقدير محلّ مناقشة ، والتفصيل لا يليق بذلك الكتاب ، فإنّ تطويل البحث عن أمثال تلك المسائل إنّما هو من شأن القانعين بالقشور ، والمحرومين عن حقائق الأمور ، فنرجع إلى ما هو الأهمّ فنقول :
إنّ الله تعالى لمّا أمره بأداء التكاليف وطاعته تعالى في الأحكام والحدود نهاه عن طاعة غيره ، فإنّها منافية لطاعة الحقّ ؛ إذ المطيع الحقيقيّ هو الّذي يمحّض طاعته للحقّ بحيث لا يظنّ غيره مطاعا.
كيف وهو السلطان الّذي كلّ شيء تحت أمره مقهور ، والجبّار الّذي كلّ شيء بجبروته مجبور ، فلا يستحقّ الطاعة سواه ، ولا ينبغي العبادة لما عداه ، وفي قوله : «آثما أو كفورا» إشارة إلى أنّ ما في سلسلة الإمكان لا يخلو عن ذلك الوصفين ، بمعنى أنّه موصوف بالنقصان من جهة الإمكان ، فلا يصلح لمقام المطاعيّة ، فإنّ المطاع ينبغي أن يكون مقدّسا عن جميع العيوب ، مجرّدا عن شوائب النقائص.
وذلك التقدّس والتجرّد خاصّ بحضرة الحقّ تعالى ، فيجب تمحّض الطاعة له ، والإعراض عمّا سواه ممّا في عالم الإمكان ، فإنّه لا ينبغي الطاعة لغيره تعالى لما ذكر. وأمّا ما ورد من طاعة النبيّ صلّى الله عليه وآله فلكونه مظهرا لصفات الحقّ ، فهو المقدّس عن النقائص والعيوب بعد الحقّ ، فيجب