الثاني : قال بعض العارفين : ذكر الله تعالى بكرة وأصيلا مقدّم على كلّ عبادة ، لأنّ العبادة وضعت للتقرّب إلى الله والتوصّل إلى نيل معرفته بحسب الإمكان ، ولمّا كان التصوّر بحسب الاسم هو أوّل مراتب التصوّر طبعا لا جرم بدأ بذكره وضعا ، وأمّا أنّ العبادة وضعت لذلك فظاهر.
ومن وجوه إفادتها لشيء من ذلك أنّ النفس تكون في أوّل الرياضة قليلة الالتفات إلى الجانب الأعلى ، فاحتاجت إلى سبب يذكّرها ويوجب التفاتها إلى ذلك الجناب ، فوضعت العبادات.
ثمّ أجلّها العبادة المشتملة على الفكر ، لكونه السبب الموصل إلى المقصود وبدونه لا يفيد العبادة ، قال : إنّ الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم (١).
الثالث : في الأمر بإيقاع الذكر على الاسم دون المسمّى ؛ كما في قوله : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ) (٢) إشارة إلى أنّ الذات البحث ثمّ لا يمكن أن يذكر بشيء من الأذكار ، فإنّ الذكر هو التصوّر والتوجّه إلى المذكور ، وقد عرفت أن الله تعالى خفيّ عن جميع الأفهام والخيالات ، ومقدّس عن كلّ الإدراك والإشارات ، ومنزّه عن جميع الكنايات والعبارات.
كيف وهو المحيط بكلّ شيء ، فلا يحيط به شيء ممّا في عالم الإمكان! فسبحان الذات من أن يقع عليه التصوّرات ، أو تحيط به الخيالات والإدراكات ، وسبحانه من أن يشار إليه بالإشارات ، أو يعبّر عن هويّته
__________________
(١) إعلام الدين : ٢٠١ ، الأمالي ، للطوسيّ : ٥٣٥.
(٢) الأعراف : ٢٠٥.