والدليل : قوله : (وَلكِنَّ اللهَ رَمى) (١) وقوله : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) (٢) فتأمل.
فليس أحد مظهرا لذلك الاسم سواه صلّى الله عليه وآله ، وهذا هو السرّ في إفراد ضمير الخطاب.
ولعلّ له وجها آخر ، وهو الإشارة إلى أنّه يجب على الذاكر بحقيقة الذكر الدخول في لجّة التوحيد ، والاستغراق في يمّ التجريد ، بحيث لا يخطر على قلبه شيء من الممكنات فضلا عن خطور تعلّق تربية الحقّ لهم ، فإنّ التوجّه إلى الغير ولو كان بتلك المثابة يعدّ من مراتب الشرك عند أهل التوحيد ؛ كما مرّ إليه الإشارة ، فالواجب على الذاكر في مقام الذكر الخلوة الكلّيّة والعزلة الحقيقيّة ، وهي تخلية القلب عن التوجّه إلى الأغيار ، وتصفيته عن التعلّق بما سوى الجبّار ، بحيث ينسى في ذلك المقام شيئيّة كلّ شيء سواه ، ولا يرى في الوجود سوى الحقّ المحبوب حتّى نفسه الّتي هي أقرب الأشياء إليه.
فإذا فاز الذاكر بتلك الدرجة ، فقد فاز بحقيقة الذكر ، ودخل بيت الوصال ، وتنوّر بنور الجمال ، فإنّه حينئذ لقد صفى عن كلّ شيء ، وفنى عن نفسه أيضا ، بمعنى أنّه قطع نظره عن ذاته في أنّه ذاكر ، والحقّ مذكور ، بل نفى الذاكر وتحقّق له مقام المذكور ، بحيث لم يبق في تلك اللجّة سوى صرف الظهور ووجه المذكور ، كما قال : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ * وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) (٣).
__________________
(١) الأنفال : ١٧.
(٢) التوبة : ٦.
(٣) الرحمن : ٢٦ ـ ٢٧.