الحسّيّة ، وإلّا لما كانوا مواظبين عليها في جميع الأحيان ، مرجّحين إيّاها على كلّ شغل وعمل ، ألا ترى إلى الملائكة كيف لا يلتذّون من الطعام والشراب ، بل لا يشتهونهما أصلا ، فإنّهم يلتذّون بالتسبيح والتهليل وغيرهما لبعدهم عن الشهوات النفسانيّة.
كيف وهم عقول صرفة لا نفس لهم تأمرهم بالسوء والفحشاء ، فمن كان لذّته في العبادات فهو من زمرة الملائكة الّذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، وقد قال النبيّ صلّى الله عليه وآله : أمّتي على ثلاثة أصناف : صنف يشبّهون بالملائكة ، وصنف يشبّهون بالأنبياء ، وصنف يشبّهون بالبهائم ، أمّا الّذين يشبّهون بالأنبياء فهمّتهم الصلاة والزكاة ، وأمّا الّذين يشبّهون بالملائكة فهمّهم التسبيح والتهليل والتكبير ، وأمّا الّذين يشبّهون بالبهائم فهمّهم الأكل والشرب (١).
والحاصل : إنّ تلك العبادات لعدم ملاءمتها للنفس وصعوبتها لها تمنعها عن الطغيان إلى العصيان ، والتعدّي عن مقام الإيمان ، إلى ظلمات العدوان ، فكلّما كانت تلك الطاعات أصعب كان تذليلها للنفس أشدّ ، وتأثيرها في إصلاحها أقوى ، وهذا هو السرّ في قوله عليه السلام : أفضل الأعمال أحمزها (٢).
أي : ما كان مشقّته أكثر ، وعن الراحة أبعد ، فإنّ ذلك أكثر تأثيرا في مقام المجاهدة مع النفس ، وغلبة العقل عليها ، ألا ترى أنّه إذا كان الأسلحة أكثر
__________________
(١) جامع الأخبار : ١٠١.
(٢) مفتاح الفلاح : ٤٥.