لرسوله بآداب الطاعات البدنيّة ، فإنّها تذلّل النفس لطاعة المعبود بكسر شهواتها المانعة عن إدراك لذّات عبادة الحقّ ، فإنّ تلك الشهوات توجب مرض الروح الإيمانيّ ، وعلّة النفس الإنسانيّة فتكلّ القوى العرفانيّة عن قضاياها ، وتحجب الحواسّ الإيمانيّة عن فوائدها ، وما يترتّب عليها ، فيحرم العبد عن إدراك اللذّات وذوق حلاوة المناجاة مع الذات.
ألا ترى إلى المريض كيف لا يجد لذّة الطعام والشراب لفساد بعض قواه ، وليس منشأ عدم الوجدان فقدان اللذّة في الطعام والشراب ، بل المنشأ هو فساد المزاج وكلّ الذائقة عن خاصّيّتها ، وبتلك المثابة العبادات الّتي أمرنا الله ورسوله بأدائها ، فإنّها في حدّ ذاتها مشتملة على لذّات يدركها من خلص عن الأمراض الروحانيّة ، ونقى باطنه عن العلل النفسانيّة.
وأمّا الّذين في قلوبهم مرض فلا تزيدهم تلك العبادات إلّا رجسا على رجسهم ؛ كما في القرآن ، فلذلك لا يجدون لذّاتها أصلا ، ويحسبون أنّها خالية عن الفوائد واللذّات ، وإن ذلك إلّا لما في قلوبهم من الأمراض ، فيا عجبا ممّن يقول لقد عبدت الله بالطاعات الشرعيّة في مدّة كثيرة ولم أجد فيها فائدة تغيّر نفسي عن الشرّ إلى الخير ، والفساد إلى الصلاح ، ففعلها وتركها عندي سيّان.
فيا سبحان الله! كيف ينسب النقصان إلى العبادات مع أنّه ليس إلّا من قبل نفسه وتقصيره عن إصلاح روحه ، ومثل ذلك الجاهل كمثل العليل الّذي يدّعي عدم حلاوة العسل عند الصحيح.
كيف لا وقد وجدوا الأبرار من تلك العبادات لذّات فوق جميع اللذّات