الفاكهة الكثيرة الّتي ليست مقطوعة ولا ممنوعة ، ولذلك أمر الله نبيّه بذكر الحقّ ، والسجود لكبريائه ، والتسبيح لعظمته وعلائه ، فإنّ كلّ ذلك ممّا يصفّي النفس عن محبّة غير الله ، والتوجّه إلى ما سوى حضرة قدس الله ؛ بحيث لا تلتفت النفس بعد ذلك إلى اللذّات العاجلة ، لالتفاتها إلى اللذّات العالية الباقية الّتي هي فوق جميع اللذّات ، فالتعقيب بقوله : (إِنَّ هؤُلاءِ) ... إلى آخره ، مشعر إشعارا لطيفا بأنّ الّذين لا يشتغلون بتلك العبادات الّتي أمر بها نبيّهم لقد حصر التفاتهم في اللذّات العاجلة ، وهمّهم في الحياة الدنيا ، وغفلوا عن عالم المثال والقيامة ؛ حيث لم يؤمنوا بما أعدّه الله بعد مفارقة الأرواح عن الأجسام للمؤمنين والكافرين.
الثانية : اليوم الثقيل العسير الشديد وهو يوم القيامة ، فإنّ أهواله شديدة ثقيلة على الكافرين ؛ كما قال : (إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) (١) أي أبعدهم عن مقام قربه بما اختاروه في الدنيا من الاحتجابات ، وأعدّ لهم نار البعد الدائم.
فلا وليّ لهم حينئذ يواليهم ، ولا نصير لهم ينصرهم ، وعند ذلك يتذكّرون ما قصّروا عن تحصيله ، وكسلوا عن رعايته ، وطاعة دليله ، فيتأسّفون ويقولون : يا ليتنا كنّا مع المطيعين الّذين أزالوا الاحتجابات عن السبحات ، ففازوا بعين النور ، وكشف السرّ المستسر في السرّ المستور.
وقيل : المراد باليوم الثقل حين مفارقة الروح عن البدن ، فإنّ التعلّقات
__________________
(١) الأحزاب : ٦٤ ـ ٦٦.