الغيريّة ، والمحبّة للشؤونات العرضيّة ، تصدم الروح حينئذ لكثره اشتغاله بالأمور الدنيويّة ، وتعلّقه باللذّات الحسّيّة ، فكلّما كثر تعلّقه تكثر صدمته وتألّمه.
والكافر المعرض عن الحقّ بالكلّيّة متعلّق بجميع ما سوى الله ، فلا يكون يوم أثقل عليه من ذلك اليوم ، وحين أصعب عليه من ذلك الحين ؛ بخلاف المؤمن الموحّد المعرض عن التعلّقات الغيريّة ، فإنّه حينئذ يلتذّ بما يترتّب على أمره ؛ حيث يرى بدنه حاجبا عن إدراك اللذّات العقليّة ؛ على التفصيل المذكور.
وفي المقام مقالات كثيرة يمنعني عنها ضيق الوقت ، وكلال الحال.
الثالثة : المراد بقوله : (وَيَذَرُونَ) ... إلى آخره أنّهم معرضون عن العمل لذلك اليوم ، ذاهلون عن شدائده ، وذلك ـ أي إعراضهم بالكلّيّة ـ هو معنى عدم إيمانهم بذلك اليوم ، فإنّ المؤمن به يخاف أهواله وشدائده ، فيسعى في أمر يخلّصه منها ، وهو الطاعات والعبادات الشرعيّة كما قال : (وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) بخلاف الكافر ، فإنّه لفرط جهله وشقاوته لا يعتقد بذلك اليوم ، بل لا يلتفت إلى ذكره أصلا إلّا على سبيل الإنكار والاستهزاء ؛ كما قال : (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ * يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ * فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لا وَزَرَ * إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ * يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) (١) إلى
__________________
(١) القيامة : ٥ ـ ١٣.