ذلك من لوازم العينيّة المسلّمة ، وأنّ غيرها من الأشياء الممكنة محدثة بأمرها ، موجودة بإفاضة الوجود منها إليها لها ، باقية بإدامة رحمتها بها بحيث لو كان فيض الحقّ منقطعا عنها في أوّل الأمر لما كانت شيئا مذكورا.
وكذا لو انقطع الفيض الآن لما يبقى شيء. ونعم ما قيل : إنّ الممكن بالنسبة إلى فيض الحقّ كالمستضيء في مقابلة الشمس إذا حجب عنها زال ضوؤه وصار مظلما.
الثانية : في تعليق «الخلق» على «الإنسان» وإيقاعه عليه إشعار بأنّ المهيّات غير مجعولات بجعل الجاعل ؛ كما هو مذهب بعض الحكماء.
والدليل على ذلك الإشعار أنّ تعليق أمر على الشيء فرع ثبوت ذلك الشيء ، فقوله (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) (١) معناه إنّا أوجدنا مهيّة الإنسان الثابتة ، وألبسناها لباس الوجود ، وأصبغناها بذلك الصبغ ؛ كما يفعل الصبّاغ بالثوب ، فالمهيّة شيء ثابت أزلا ، والوجود شيء آخر يعرضها عروض الوصف بالموصوف.
كذا قد يخطر بالبال ، وللمناقشة فيه مجال ، لأنّ تعليق الأمر على شيء يتصوّر على وجهين :
الأوّل : أن يكون ذلك الأمر من الأوصاف الصرفة التي ينفكّ عن الموصوف المتصوّر ؛ كزينة البيت ، وصبغ الثوب ، ونحو ذلك.
والثاني : أن يكون من الأوصاف اللازمة المقارنة التي هي في نفس الأمر مقدّمات وشرائط للشيء ؛ كبناء البيت ، ونسج الثوب.
__________________
(١) الإنسان : ٢.