ولا يخفى أنّ الأمر المعلّق إذا كان من الأوّل يجب ثبوت المعلّق عليه قبل التعليق ، ولا يستلزم المقارنة ، فإنّك إذا قلت : صبغت الثوب ، يفهم منه ثبوت الثوب أوّلا حتّى يصبغ ، وإذا كان من الثاني فلا يستلزم الثبوت السابق ، بل التعليق يدلّ على المقارنة ، فإنّك إذا قلت : بنيت البيت ، يفهم منه أنّ ثبوت البيت قارن بناءه ، وذلك واضح.
ولعلّ «الخلق» من ذلك القبيل ، أي أوجدنا الإنسان وجعلنا مهيّته مهيّة مقارنة لوجوده ، بمعنى أنّا جعلنا المهيّة المعقولة موجودة في الخارج بالجعل البسيط الّذي [هو] عبارة عن موجوديّة المهيّة في الخارج من غير أن تكون شيئا ثابتا في نفسها قبل ذلك ، فيصبغها الجاعل بصبغ الوجود ؛ كفعل الصبّاغ.
والحاصل أنّ فعل الحقّ للمهيّة وجعله لها هو بعينه إيجادها في الخارج ، واتّصافها بالوجود مقارن لثبوتها ، بل لا تمايز بينهما في الخارج حينئذ أصلا.
نعم يحصل التمايز بالتحليل العقليّ ، وهما في غير خزينة العقل شيء واحد ثابتان في آن واحد ، ألا ترى أنّ المتحرّك إذا تحرّك لا يجعل الحركة ولا شيئا آخر حركة ، بل يفعل الحركة ، وبمجرّد فعله لها تصير موجودة.
وكذا الخطّاط إذا خطّ لا يجعل الخطّ ولا شيئا آخر خطّا ، بل يفعل الخطّ ، وبمجرد فعله يصير موجودا في الخارج.
وهكذا ، لا الجعل المركّب الّذي [هو] عبارة عن جعل الماهيّة إيّاها أوّلا ، ثمّ إطراء الوجود عليها بحيث يكون كلّ منهما متميّزا عن الآخر ، فإنّ