ذلك باطل للزوم الجبر المنفيّ عقلا وشرعا ، ولاستلزام وقوع الشكّ في كونها مهيّة عند الشكّ في وجود المؤثّر الجاعل. وهو باطل ، فتأمّل.
وهنا مسلك آخر لبعض الحكماء ، وهو أنّ الماهيّات قديمة أزليّة ثابتة بنفسها من نفسها غير مجعولة بجعل الجاعل ، ولا تأثير للباري فيها لأزليّتها ، وإنّما الباري خلعها خلعة الوجود ، وصبغها بصبغ الوجود ؛ كما قال : (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) (١) فزمان الإيجاد غير زمان الثبوت متأخّر عنه ، كيف وهي الحقائق الأزليّة الّتي أشار إليها عليّ عليه السلام في دعاء «سهم الليل» حيث قال : اللهمّ إنّي أسألك بالحقائق الأزليّة ... (٢) إلى آخره ، فتأمّل.
فقوله : (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) معناه : إنّا أبدعنا وجوده وأثّرنا فيه لا في مهيّته ، والقول بأنّ الوجود أمر اعتباريّ لا يصلح ، لكونه أثرا للمؤثّر ممّا لا نفهمه.
والحاصل أنّه تعالى لقد أشار في تلك الآية إلى تأثيره الاختراعيّ بالنسبة إلى الوجود خاصّة ، وهو التأثير الإبداعيّ على هذا المسلك ، لا بالنسبة إلى المهيّة لأزليّتها ، وبعض الحكماء يطلقون التأثير الاختراعيّ على إفاضة الأثر على قابل كالصور والأعراض على المادّة القابلة ، والإبداعيّ على إيجاد الأليس عن الليس المطلق.
الثالثة : قال بعض العارفين : إنّ التقديم مع التأكيد والتقرير في قوله : (إِنَّا
__________________
(١) البقرة : ١٣٨.
(٢) انظر : البلد الأمين : ٣٤٩ ، مصباح الكفعميّ : ٢٦٥.