ولقد أشار إلى تلك المراتب والتحوّلات بقوله : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (١) ويناسب ذلك التفريع في قوله : (فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً) أي جعلنا محمّدا في ذلك الهيكل الشريف والمقام المنيف ، سميعا لكلماتنا المنزّلة ، قابلا للحقائق الّتي ما أطلعنا على علمها أحدا من العالمين ، بصيرا بآياتنا الجماليّة والجلاليّة ، والبوارق الجذبيّة ، والبارقات الكشفيّة الّتي لا يستطيع لها مادّة سوى مادّته الشريفة الّتي استعدّت من الأزل.
وهنا مطالب مكنونة لم يعثر عليها سوى العارفين ، ولسنا نذكرها لما فيه من مظنّة ضلالة الغافلين.
وقيل : «النطفة» هي ماء الرجل الخارج من الصلب ، وماء المرأة الخارج من الترائب ، فما كان من عظم وعصب وقوّة فمن نطفة الرجل ، وما كان من لحم ودم فمن المرأة.
وعن بعض الحكماء أنّ المراد بها العناصر المعروفة ، أي ركّبنا الإنسان من تلك العناصر على التفصيل المقرّر في مقامه.
و «الأمشاج» إمّا جمع لمشج ومشيج ، كالخلط والخليط ، والجمع أخلاط ، وإمّا مفرد بمعنى المشيج ، فيستقيم التوصيف ؛ كما في الثوب الأكياس ، أي نطفة مختلطة من الماءين.
وقيل : أي نطفة أطوار متغيّرة من حال إلى حال ؛ طورا علقة ، وطورا
__________________
(١) المؤمنون : ١٢ ـ ١٤.