بذلك المعنى باطلا بدليل آخر ، وهنا أبحاث كثيرة لا يسعها المقام ، ولا يتحمّلها أكثر الأنام.
الرابعة : يحتمل أن يكون المراد من النطفة ما هو المنشأ للوجود وهو المشيّة الأزليّة الّتي هي العلّة لوجود الأشياء الممكنة كما عرفت ، وتخصيص الإنسان بالذكر لأنّ له من المقام والشرف ما ليس لغيره من الأشياء الّتي خلقت من المشيّة وبها.
وفي توصيف النطفة بالأمشاج الّتي هي الأطوار المختلفة إشارة إلى تطوّرات المشيّة وتحوّلاتها وترقّياتها وتعرّجاتها في حدّ ذاتها ، فإنّها لا تزال يفيض الحقّ إليها في جميع الأحوال والأعصار بحسب ما يعلمه من المصلحة والقوّة.
ألا ترى أنّ للنطفة تحوّلات وتنقّلات بحسب الاستعداد. وإن فسّرنا «الإنسان» بمحمّد صلّى الله عليه وآله حينئذ ، ففيه إشارة إلى مبادئ حاله صلّى الله عليه وآله ونهاية مآله.
أي لقد ترقّينا بمقام محمّد ، بأن جعلناه إنسانا كاملا في الأنس بالحقّ ، والفوز بنور الصدق بحيث لا مقام أعلى من مقامه ، ولا معراج أرفع من معراجه ، بعد ما كان في أوّل الأمر غير كامل واقعا موقع النطفة المستعدّة لتلك المرتبة ، وذلك في زمان تشكّله بشكل آدم عليه السلام ، فإنّه في تلك الصورة له مقام النطفة. وهكذا إلى أن برز في هيكله الشريف الّذي كان عليه في زمانه بعد وساطة سائر المراتب كمرتبة نوح وإبراهيم وعيسى وموسى عليهم السلام.