لأجل نفسه من الطاعات والرياضات وما كلّف به لأجل الخلق كالدعوة إلى الإيمان والأمر بالعمل بما في القرآن ؛ كما قال (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) ... (١).
ولقد كان محمّد عبده الخاصّ ورسوله الّذي اصطفاه واختبره بجميع أنواع الاختبارات ، فوجده قويّا لحمل التكاليف ، جليدا في طاعة الخالق ، صابرا على كلّ ما يصيبه في سبيل المرضاة ، راضيا بجميع ما جرى عليه ؛ كما قال : (إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (٢) فأعطاه من الشرف والمقام ما لم يعط أحدا من العالمين ؛ حيث قال (فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً) (٣) أي للكلمات الإلهيّة ، والتغنّيات اللاهوتيّة ، والترنّيات الهاهوتيّة ، والتفرّدات الملكوتيّة الإنسيّة (بَصِيراً) أي بمشاهدة الأنوار القدسيّة ، والشعاشع الجذبانيّة ، واللوامع الربّانيّة.
ثمّ لا يخفى أنّ الابتلاء في ذلك الكلام وغيره ممّا نطق به القرآن ليس على حقيقته ؛ إذ حقيقة الابتلاء هو طلب الاطّلاع على المجهول ، ولا يتصوّر جهل على الحقّ الموصوف بجميع صفات الكمال على أكمل الاتّصاف.
كيف ولا يعزب عن علمه شيء ، وهو بكلّ شيء عليم.
كيف وهو العالم بما كان قبل أن يكون ، والمطّلع على أحوال كلّ شيء قبل خلق كلّ شيء ، فلا شيء إلّا وهو العالم به قبل وجوده ، والمطّلع على جميع أحواله قبل شهوده ، ولا تغيير في علمه أصلا.
__________________
(١) المائدة : ٦٧.
(٢) القلم : ٤.
(٣) الإنسان : ٢.