بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) (١) أي هؤلاء الكفّار المعرضين عن مراعاة الأسباب لقد ضيّعوا استعدادهم للهداية ، فلا جرم تركوا في مفازة الضلالة (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) الّتي أوجدوا لأجلها وخلقوا لها ، وما كانوا بعد ذلك مهتدين إلى جنّة القرب السبحانيّ.
وقد أشار تعالى بما مثّل إلى أنّهم كانوا مستعدّين للفوز بنور الحقّ بمعونة نار الشوق الناشئة عن الوجود ، فلمّا استوقدت نار الوجود عليهم ، وأضاءت ماهيّاتهم الّتي كانت في ظلمات الغيب ما عرفوا قدرها ، وما سعوا في تربيتها وإضاءتها بنور الإيمان والهداية (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) أي أحرمهم عن نور الهداية الّذي كانوا مستعدّين لمشاهدته في أوّل الفطرة (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ) المهيّة (لا يُبْصِرُونَ) أي غير مستعدّين لأن يبصروا نور الحقّ في المجالي الطيّبة ، والمرائي الزكيّة (صُمٌ) عن استماع التفرّدات الإلهيّة بلسان طواويس الأحديّة (بُكْمٌ) عن إظهار المطالب الحقّة والحقائق الربّانيّة.
كيف وألسنتهم لا تجري إلّا بالهزل ، وما لا يغني صاحبها عن جوع (عُمْيٌ) عن مشاهدة الشعاشع الصمدانيّة ، واللوامع السر مدانيّة (فَهُمْ) مع تلك الحالة الدنيّة الخبيثة (لا يَرْجِعُونَ) أي لا يمكن لهم الرجوع إلى ما كانوا عليه من الاستعداد للإيمان ، فإنّ استعدادهم لقد عدم بما عملوه من الموانع والحجب.
وقال : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا
__________________
(١) البقرة : ١٦ ـ ١٨.