القرب ، ويتنعّم بفواكه جنّات الجذب ، كسلوا عن مراعاة تلك الأسباب الّتي هي إحدى المقدّمات للفعليّة ؛ إذ ليس السبب التامّ هو الوجود خاصّة ، بل هو وهذه الأسباب حتّى ضاعت أوقاتهم بالاشتغال بغيرها من الموانع لحصول الفعلية ؛ كالإنكار والجحد والعصيان ، وغير ذلك ممّا يبعّد العبد عن جنّة الوصال ، والفوز بمشاهدة أنوار الجمال والجلال.
فرانت على قلوبهم ما كانوا يكسبون ، وطبع عليها فزاغوا عن طريق الحقّ ، وعدلوا عن مسلك الصدق ؛ كما قال : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) (١) أي خذلهم وقطع فيض هدايته عنهم ، فما زالوا مدبرين عن الحقّ حتّى زاد في كلّ حين مرض قلوبهم بحيث ما يرجى لهم الهداية أصلا ـ العياذ بالله ـ ولقد أشار إليهم بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٢) أي الّذين استعدّوا لمقام السمع والبصيرة ، فأعرضوا عن الأسباب الموصلة إليه ، وتعوّدوا على ذلك الإعراض ، وأصرّوا عليه فكفروا كفرا لا يرجى معه الإيمان بعد ذلك ، لا ينفعهم الدعاء إلى الإيمان والإنذار في كلّ زمان ، فإنّ قلوبهم لقد طبعت بالكفر والشقاوة ، وأخذ الله بسمعهم ، فلا يلتذّون بكلمات الحقّ ، وبأبصارهم فلا يشاهدون أنواره.
وقال تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ * مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ
__________________
(١) الصفّ : ٥.
(٢) البقرة : ٦ ـ ٧.