قديمة أزليّة ولكنّها برزت بإفاضة الوجود على الماهيّات ، كيف يلزم الظلم؟ بل من الواضح حينئذ أنّ كلّما يتحقّق له فعليّة في شيء فإنّما هو من قبل ذاته لا من قبل الله ؛ كما قال : (وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ... (١) إلى آخره.
وقال : (فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) (٢) فكلّ يعمل في هذا العالم الحسّيّ بحسب قضيّة استعداده في العالم الأزليّ الأوّل ؛ إذ العالم الحسّيّ محلّ بروز الاستعدادات الكامنة في الأشياء :
مه فشاند نور وسگ عو عو كند |
|
هركسى بر فطرت خود رو كند |
ولا يخفى أيضا أنّ الاستعداد للمقام من الصفات الوجوديّة الّتي من شأنها العدم بعد الوجود ، والوجود بعد العدم ، فيمكن أن يعدم بانتفاء بعض الأسباب وعروض الموانع ، كما في الكفّار الّذين أعرضوا عن الأنبياء وما سمعوا لكلماتهم ، وما اتّعظوا بمواعظهم ، وما شاهدوا نور النبوّة فيهم ، مع ما كان لهم من المعجزات الواضحة ، والآيات اللائحة الدالّة على شرف مقامهم ، وكمال رتبتهم ، وفضلهم على غيرهم.
فإنّهم أي الكفّار على ما يدلّ عليه بعض الأخبار لقد كانوا في الأزل مستعدّين لمقام السمع والبصيرة بعد الوجود ، ولكنّهم لمّا أوجدهم الله ، وسلكهم في مسلك الشهود ، وهيّأ لهم أسباب فعليّة ذلك المقام من قبيل إرسال الرسل ، وإنزال الكتب ، وغير ذلك ممّا يتشرّف به العبد إلى مقام
__________________
(١) العنكبوت : ٤٠.
(٢) إبراهيم : ٢٢.