للترتيب واختيار «السميع» و «البصير» دون السامع والباصر إشعار لطيف بهذا.
أقول : وفي اختياره «الجعل» أيضا إشعار بذلك ، فإنّه لا يمكن جعل الشيء شيئا إلّا بعد كون الشيء مستعدّا لمقام ذلك الشيء ، وممكن الاستعداد له بالإمكان الوقوعيّ الاستعداديّ الّذي هو عبارة عن تهيّؤ الشيء لصيرورته شيئا آخر كتهيّؤ النطفة لمقام العلقة والعلقة ، للمضغة. وهكذا.
فلو لا كان الإنسان قابلا لذلك المقام في مقامه الّذي هو فيه لا متنع فوزه بذلك المقام كامتناع فوز الحجر به ، وكذلك النطفة لو لم تكن مستعدّة بما هي عليه لصيرورتها علقة لما صارت علقة بالضرورة. وهكذا.
ثمّ لا يخفى اشتراك جميع أفراد الإنسان في ذلك الاستعداد في الجملة ، إلّا أنّ الاستعداد قابل للشدّة والضعف ، بمعنى أنّه مختلف باختلاف الذوات المستعدّة الأزليّة ؛ فإنّ منها ما هو المستعدّ لكونه سميعا بصيرا على الوجه الأكمل ؛ كما كان محمّد صلّى الله عليه وآله.
ومنها ما هو المستعدّ لذلك على الوجه الكامل ؛ كما كان سائر الأنبياء.
ومنها ما هو المستعدّ له على غير ذين الوجهين على الاختلاف. ولا ريب في أنّ بروز تلك الاستعدادات إنّما هو بعد إضافة الوجود على المستعدّين ، فمن كان ذاته في الأزل مستعدّا للكمال يصير بمعونة الوجود كاملا في عالم الشهود. وهكذا.
فلا ظلم أصلا في ساحة الحقّ تعالى ؛ كما زعمه القائل بجعل الاستعدادت في الماهيّات ، فإنّنا إذا قلنا إنّ الماهيّات مع استعدادتها كانت