وإلى تلك العلّة أشار تعالى بقوله : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) (١) أي ما خلقتهم لاستكمالي ، بل لاستكمال أنفسهم بالمعرفة ؛ تلطّفا منّي إليهم.
وقال الحسين عليه السلام : إنّ الله خلق الخلق ليعرفوه ، فإذا عرفوه عبدوه ، وإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة غيره (٢).
أي فازوا بمقام التوحيد وتشرّفوا بدرجة التجريد ، فلا وجه لجعل التكاليف علّة غائيّة إلّا على سبيل التجوّز ، فإنّها موصلة إلى مقام مرضاة الحقّ وقربه ، أو على بعض وجوه بعيدة. فتأمّل.
الثاني : إنّ ذلك ينافي ما قرّر في الحكمة من أنّ الغاية مسلوبة عن فعل الله ، فإنّ الفاعل الّذي يفعل للغاية يستكمل بها من وجهين :
الأوّل : من حيث إنّه يقصد وجود تلك الغاية ، فلا بدّ أن يكون وجودها أولى به ، مفتقرا ذلك الفاعل إليه ، وهو نقص بيّن بالنسبة إلى الغنيّ المطلق ، فإنّ كلّ شيء مستكمل به ، فلا يستكمل هو بغيره.
والثاني : إنّه يتمّ بتلك الغاية فاعليّته ، فيكون هو ناقصا في فاعليّته ، والله تعالى منزّه عن شؤونات النقص ، فلا يتصوّر لفعله تعالى غاية كانت علّة لفاعليّة الحقّ سوى ذاته ، فهو غاية الوجود ، وغاية الغايات ، وذاته سبب لفاعليّته.
نعم يمكن الجواب عن تلك المناقشة بأنّ المراد من الغاية هنا هو
__________________
(١) الذاريات : ٥٦ ـ ٥٧.
(٢) انظر : علل الشرائع ١ : ٩.