فالعدم السابق من قوله : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً).
والفاعل من قوله : (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ).
والمادّة من قوله : (مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ).
والغاية من قوله : (نَبْتَلِيهِ).
والصورة من قوله : (فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً).
أقول : لا ريب في أنّ استفادة العدم من الآية موقوفة على التفسير المشهور ، وأمّا على بعض ما فسّرناه فلا يمكن استفادته من الآية الأولى. نعم يمكن استفادته من قوله : (إِنَّا خَلَقْنَا) فإنّ الخلق هو الإبداع والاختراع المرادف للإحداث ، وهو مستلزم للمسبوقيّة بالعدم ، وهي مأخوذة في مفهوم الحدوث ، كما أنّ عدمها مأخوذ في مفهوم القدم على التفصيل المقرّر في مقامه ، وذلك لا ينافي ما قرّرناه من قدم المهيّات ، فإنّ متعلّق الإحداث هو الوجود المسبوق بالعدم لا المهيّات ، وقد مرّ التفصيل فيما قبل.
وفي جعله الابتلاء غاية للخلق نظر من وجهين :
الأوّل : إنّ العلّة الغائيّة على ما هو المقرّر في الحكمة هي الّتي يفعل الفاعل لأجلها ، فهي العلّة لفاعليّة الفاعل ، أو المعنى الّذي لأجله تحصل الصورة في المادّة. ولا يخفى أنّ العلّة الغائيّة لخلق الإنسان ما كانت ابتلاءه بالتكاليف ، بل كانت هي المعرفة بالحقّ الحاصلة له على أداء التكاليف من العبادة والطاعة الموصلة له إلى جنّات قرب الحقّ ، وبساتين جذبه.
فأوّل الغايات لخلقه هي المعرفة ، وغاية الغايات هي القرب بالحقّ ، والفوز بمعارج الصدق.