إشارة إلى ما ذكره بعض الصوفيّة من أنّ الإنسان أنموذج من الحقّ ؛ بمعنى أنّه متّصف بجميع صفات الحقّ من العلم والقدرة وغيرهما على وجه يناسب ناسوتيّته.
وهو الوجه الدلالتيّ ؛ بمعنى أنّ الإنسان إذا نظر إلى علمه يستدلّ به على كمال علم الله ، وأنّه المحيط بكلّ شيء ، وهو العليم فوق كلّ عليم.
وإذا نظر إلى قدرته يتحقّق له أنّ الله تعالى أقدر من كلّ قادر ، ولا يشذّ عن قدرته شيء.
وإذا نظر إلى روحه كيف لا يحسّ ولا يمسّ يعلم أنّ الحقّ كذلك لا تدركه الأبصار ، ولا يمسّه شيء.
وإذا نظر إلى روحه أيضا كيف يحرّك الهيكل ، ويتصرّف فيه بالإرادة ، ولا يخفى عليه حركات الهيكل ، وليس إلى شيء من الجسد أقرب من شيء وكان مخلوقا قبل البدن ، وباقيا بعده ، ولا تعرف له كيفيّة وأينيّة يستدلّ بذلك كلّه على أنّ الله تعالى متصرّف في العالم ، محرّك للأفلاك العلويّة بالمشيّة والإرادة ، وغير جاهل بشيء ؛ لا يعزب عن علمه مثقال ذرّة في الأرض و [لا في] السماء ، وليس إلى شيء من خلقه أقرب من الآخر ، وهو الموجود قبل كلّ شيء ، وبعد كلّ شيء ، والمتقدّس عن جميع الكيفيّات والأينيّات والحيثيّات ، وهكذا يستدلّ بما يرى في نفسه على صفة لله تعالى.
وبهذا فسّر الحديث المرويّ عن عليّ عليه السلام من أنّه من عرف نفسه فقد عرف ربّه (١). جماعة ، وقد عرفت ممّا حقّقناه معنى المعرفة ، فبه
__________________
(١) انظر : مصباح الشريعة : ١٣.