الفوز بمعرفة ذلك المقام ، فضلا عن وصوله إليه.
خليليّ قطّاع الفيافي إلى الحمى |
|
كثير وأمّا الواصلون قليل |
وبالجملة : لا ريب في أنّ هؤلاء الصافين الفائزين بحقائق الأمور أسباب جليلة لإكمال النفس وهدايتها إلى مقام قرب الحقّ ، كيف وهم الأطبّاء المعالجون لأرواح الخلق بحسب ما يرونه ويعرفونه بمعارفهم الواقعيّة ، فيعالجون كلّا بحسب حاله ؛ إذ الناس نفوسهم مريضة ، وعقولهم بشوائب الجهل مغشوشة ؛ كما قلت :
خلق جمله گمرهانند وعليل |
|
أنبياء حق طبيبند ودليل |
أوليا جمله دليل اين رهند |
|
مردمان بى اوليا بس گمرهند |
كيف وجميع الامّة أطفال غير مميّزين لما شاب عقولهم من الهوى النفسانيّ ، فليس لهم بعد ذلك أن يميّزوا الخير من الشرّ ، والطيّب من الخبيث ، وهؤلاء الأنبياء عليهم السلام بمنزلة الآباء ، لأنّهم يعرفون كلّ ذلك ، فلهم أن يربّون الامّة ، ويصلحون ما أفسدوا ، ويزجرون عمّا به هلكوا ، ويأمرونهم بما فيه خيرهم ؛ كما قال صلّى الله عليه وآله : أنا وعليّ أبوا هذه الامّة (١). أي نربّي جميع أصناف الخلق بما نراه ونعرفه.
خلق اطفالند جز مست خدا |
|
نيست بالغ جز رهيده از هوا |
والحاصل : إنّهم عليهم السلام يهدون الخلق إلى مقام السعادة كلّا بحسب استعداد هويّته ، فللكلّ أن يسعدوا إن أجابوهم في دعوتهم إلى الحقّ ، لما مرّ من أنّ الناس كلّهم مستعدّون لكلمة التوحيد ، ومقام الإيمان
__________________
(١) انظر : تفسير الإمام العسكريّ عليه السلام : ٣٣٠ ، علل الشرائع ١ : ١٢٧.