وفيها : أيضا إشعار بأنّه بعد الوصول إلى المطلوب لا ينبغي الإعراض عن الدليل ، فإنّ الإعراض عن الأنبياء هو الإعراض عن الحقّ ، كما تدلّ عليه الآيات القرآنيّة ، بل الدليل في المقام نفس المدلول ، فإنّ الغرض الأصليّ من الهداية هو المعرفة بحقّ مظاهر الحقّ لا بالحق ، فإنّه لا سبيل إليها أصلا كما عرفت.
ففي النسبة إشعار بأنّ الطاعة لهم هي طاعة الحقّ ؛ كما قال : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) فمعصيتهم هي معصيته ، فهم الملحوظون في غرض الهداية ، فكيف يعرض عنهم بعد الفوز بمقام الهدى؟.
وتوضيح المقال أنّ الواسطة الموصلة على وجهين :
الأوّل : أن لا تكون في نفسها ملحوظة مقصودة ، بل الاشتغال بها إنّما يكون لأجل الوصول إلى غيرها المقصود ، والدلالة إليه بحيث لا حاجة إليها تبقى بعد الوصول إلى المطلوب المدلول كالدلالة ، فإنّ لك حاجة إليها قبل الوصول إلى العروس ، وبعده تختار الفرار عنها لعدم الحاجة إليها حينئذ ، وفقدان الفائدة فيها ، بل ربّما تكون حاجبة ، وكالمصباح الّذي تستضيء به في الظلمة إلى حين زوالها ، فإنّه إذا زالت الظلمة وأضاءت الأمكنة بنور الشمس لا يبقى لك حاجة إليه أصلا ، فإنّك حينئذ تستضيء بنور الشمس ، وتستغني به عن المصباح ، ويقال لك : أطفئ المصباح فقد طلع الصباح.
وقد عدّ بعض العارفين من ذلك القبيل العلم الرسميّ وكتبه ، فإنّها دالّة إلى العلم الحقيقيّ ، وبعد الفوز به لا ينبغي الاشتغال بغيره ، وقد حكي أنّ عارفا بعد ما حصّل العلم ثلاثين سنة ألقى جميع كتبه في البحر وقال : نعم