ولا ريب أنّ الأخذ بمحبّته عليه السلام والسلوك بطريقته ، والمشايعة له في أطواره ، والثناء عليه بطيّب الثناء هو الشكر له بحقيقة الشكر ، وكذلك الإعراض عن محبّته ، والضلالة عن سنّته كفران لنعمته العظيمة ، وهي هداية الناس إلى سبل الدين ، وشرائع اليقين ؛ كما قال : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها) (١) وقال : (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ) (٢).
وهنا تحقيق آخر ، وهو أنّ المعصومين من آل الله تعالى هم الوسائط بين الله وخلقه ؛ بمعنى أنّه تعالى خلق العالم كلّه لأجلهم ، بحيث لولاهم لما كان شيء مخلوقا ؛ كما قال : لولاك لما خلقت الأفلاك ولو لا عليّ لما خلقتك (٣).
فهم العلّة لوجود الخلق كلّه ، فلهم حقّ عظيم على الخلق. كيف وأيّ نعمة أعظم من نعمة الوجود ، وقد كانوا عليهم السلام منشأ لتلك النعمة العظيمة ، والمنّة الجزيلة ، فيجب على الخلق كلّهم أن يثنوا عليهم بما هو في قدرتهم واستطاعتهم ، ويشكروا لهم بأحسن الشكر ، فالشاكر من عرفهم وأحبّهم وأبغض عدوّهم ، والكافر من جهل بحقّهم أو أبغضهم وأحبّ أعداءهم.
وهذا هو السرّ في الأخبار الكثيرة الدالّة على أنّ من لم يحبّ عليّا وأبغضه فهو كافر ، أي كافر بالنعمة العظيمة ، وهنا كنوز حقائق لم يعثر على
__________________
(١) النحل : ٨٣.
(٢) البقرة : ٨٩.
(٣) انظر : تأويل الآيات : ٤٣٠ ، المناقب ١ : ٢١٦.