بالبدن المكتسب ، فإن كان عاصيا يتألّم بما اكتسبه في الدنيا من الأخلاق الرديّة ، والملكات الفاسدة إلى يوم القيامة الكبرى ؛ كما قال : (وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (١).
وقال : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) (٢).
وإن كان مطيعا صحيح العقيدة يتلذّذ بأخلاقه الحسنة في بدنه المثاليّ ؛ كما قال عليه السلام : المؤمن إذا قبضه الله صيّر روحه في قالب كقالبه في الدنيا ، فيأكلون ويشربون ، فإذا قدم عليه القادم عرفه بتلك الصورة الّتي كانت في الدنيا (٣).
ولعلّ هذا المقام هو الجنّة الّتي أشار إليها بقوله : إنّ لله جنّة ليس فيها حور ولا قصور ولا عسل ولا لبن ؛ يتجلّى فيها ضاحكا مستبشرا ، انتهى.
وهذا معنى ما قيل : من أنّ النفس الإنسانيّة بمنزلة اللوح ، والأعمال والأخلاق بمنزلة الأرقام والنقوش ، والبدن بمنزلة الغبار ، فإذا ارتفع غبار البدن عن لوح النفس يظهر ما فيه من أثر الأخلاق ، فيتألّم العاصي ، ويلتذّ المطيع.
وما قيل : من أنّ الحيّة الّتي تلسعك في القبر هي الّتي تلسعك الآن ، ولكن نفسك لاشتغالها بتدبير البدن لا تدرك الألم ، فإذا ارتفع غفلتها بسبب
__________________
(١) المؤمنون : ١٠٠.
(٢) آل عمران : ٣٠.
(٣) الكافي ٣ : ٢٤٥.