قالوا : مدّة الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنّما نعذّب مكان كلّ ألف سنة يوما ، فردّ الله تعالى على اليهود قولهم (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) فقال خطابا لرسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً) وعدا موثّقا بما تزعمون. وقرأ ابن كثير وحفص بإظهار الذال ، والباقون بإدغامه. (فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ) الفاء هي الفصيحة ، أي : المظهرة بشرط مقدّر ، أي : إن اتّخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده. وفيه دليل على أنّ الخلف في خبره محال.
(أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) «أم» معادلة لهمزة الاستفهام ، بمعنى : أيّ الأمرين كائن على سبيل التقرير ، للعلم بوقوع أحدهما ، أو منقطعة بمعنى : بل أتقولون ، على التقرير والتقريع.
(بَلى) إثبات لما نفوه من مساس النار لهم زمانا مديدا ودهرا طويلا. وتختصّ بجواب النفي ، أي : بل تمسّكم النّار على سبيل الخلود ، بدلالة قوله : (مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً) أي : من عمل خصلة أو فعلة قبيحة. والفرق بين السيّئة والخطيئة : أنّها تقال فيما يقصد بالذات ، والخطيئة تغلب فيما يقصد بالعرض ، لأنّها من الخطأ. والكسب استجلاب النفع.
وقيل : المراد بالسيّئة هنا الشرك ، فالتنوين للتعظيم ، أي : سيّئة أكبر السيّئات ، وهي الشرك. وهو مرويّ عن ابن عبّاس ومجاهد وقتادة وغيرهم. وتفسيرها بالكبيرة كما قال الحسن لا تكون حجّة على خلود صاحب الكبيرة ، كما قالت المعتزلة.
ويؤيّد ذلك قوله : (وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) أي : استولت عليه ، وشملت جملة أحواله حتى صار كالمحاط بها ، لا يخلو عنها شيء من جوانبه ، ولم يتفصّ (١) عنها بالتوبة ، وهذا إنّما يصحّ في شأن الكافر ، لأنّ غيره وإن لم يكن له سوى تصديق
__________________
(١) أي : لم يتخلّص.