روي : قاتل المشركون المسلمين عام الحديبية في ذي القعدة ، واتّفق خروجهم لعمرة القضاء فيه ، فكرهوا أن يقاتلوهم فيه لحرمته ، فبيّن الله سبحانه جواز القتال في الشهر الحرام بلا كراهة ، فقال : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ) يعنى : هذا الشهر بذلك الشهر ، وهتكه بهتكه ، فلا تبالوا به. قوله : (وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) احتجاج عليه ، أي : كلّ حرمة ـ وهو ما يجب أن يحافظ عليها ـ يجري فيها القصاص ، بأن يهتك له حرمته ، فحين هتكوا حرمة شهركم فافعلوا بهم مثل ذلك ، وادخلوا عليهم عنوة واقتلوهم. ثمّ أكّد ذلك بقوله : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) أي : فجازوه (بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) لا أزيد منه (وَاتَّقُوا اللهَ) في حال كونكم منتصرين ، ولا تعتدوا إلى ما لم يرخّص لكم (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) فيحرسهم ويصلح شأنهم.
(وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٩٥))
ولمّا أوجب سبحانه القتال في سبيل الله عقّب بذلك الإنفاق فيه ، فقال : (وَأَنْفِقُوا) من أموالكم (فِي سَبِيلِ اللهِ) في الجهاد وأبواب البرّ ، ولا تمسكوا كلّ الإمساك (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) بالإسراف وتضييع وجه المعاش ، بل راعوا حدّ الوسط ، فإنّ خير الأمور أوسطها. ويقرب منه ما روي عن أبي عبد الله عليهالسلام : «لو أنّ رجلا أنفق ما في يده في سبيل الله ما كان أحسن ، ولا وفّق ، لقوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) أو بالكفّ عن الغزو والإنفاق فيه ، فإنّه يقوّي العدوّ ويسلّطهم على إهلاككم. ويؤيّده ما روي عن أبي أيّوب الأنصارى أنّه قال : لمّا أعزّ الله تعالى الإسلام وكثر أهله رجعنا إلى أهالينا وأموالنا نقيم فيها