ففي هذا نفي عن التوراة أن يكون يأمر بشيء يكرهه الله من أفعالهم ، وإعلام بأنّ الّذي يأمرهم بذلك أهواؤهم ، ويحملهم عليه آراؤهم.
(قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٩٤) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٩٥) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (٩٦))
ثمّ عاد سبحانه إلى الاحتجاج على اليهود بما فضح به أحبارهم وعلماءهم ، ودعاهم إلى قضيّة عادلة بينه وبينهم ، فقال : (قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً) خاصّة بكم كما قلتم : لن يدخل الجنّة إلا من كان هودا ، ونصبها على الحال من الدار (مِنْ دُونِ النَّاسِ) سائرهم أو المسلمين ، واللام للعهد على الاحتمال الثاني (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) لأنّ من أيقن أنّه من أهل الجنّة اشتاقها ، وأحبّ التخلّص إليها من الدار الّتي فيها أنواع المشاقّ والهموم والآلام والغموم ، وتمنّى سرعة الوصول إلى نعمها اللذيذة العظيمة الدائمة ، كما روي أنّ عليّا عليهالسلام كان يطوف بين الصفّين بصفّين في غلالة (١) ، فقال له ابنه الحسن عليهالسلام : ما هذا بزيّ المحاربين ، فقال : يا بنيّ لا يبالي أبوك أعلى الموت سقط أم سقط الموت عليه.
وقال عمّار بصفّين : الآن ألا في الأحبّة ، محمدا وحزبه. ويروي أنّ حبيب بن
__________________
(١) الغلالة : الثوب الذي يلبس تحت الثياب أو تحت درع الحديد.