دينا ، أو لأنّه يوجبه قصاصا ، فيكون بمنزلة من قتل نفسه.
وقيل : معناه : لا ترتكبوا ما يبيح سفك دمائكم وإخراجكم من دياركم ، أو لا تفعلوا ما يرديكم ويصرفكم عن الحياة الأبديّة ، فإنّه القتل في الحقيقة ، ولا تقترفوا ما تمنعون به عن الجنّة الّتي هي داركم الأبديّة ، فإنّه الجلاء الحقيقي.
(ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ) بالميثاق واعترفتم بلزومه (وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) جملة حاليّة توكيدا ، كقولك : أقرّ فلان شاهدا على نفسه. وقيل : وأنتم أيّها الموجودون تشهدون على إقرار أسلافكم بهذا الميثاق. فيكون إسناد الإقرار إليهم مجازا.
(ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ) معنى «ثمّ» استبعاد لما ارتكبوه بعد أخذ الميثاق منهم والإقرار به والشهادة عليه. وأصلها للتراخي في الزمان ، ثمّ استعمل في التراخي الرتبي.
و «أنتم» مبتدأ و «هؤلاء» خبره. ومعناه : أنتم أيّها المقرّون الشاهدون بعد ذلك هؤلاء الناقضون ، يعني : أنّكم قوم آخرون غير أولئك المقرّين ، كقولك : رجعت بغير الوجه الّذي خرجت به ، تنزيلا لتغيّر الصفة منزلة تغيّر الذات. وعدّهم باعتبار ما أسند إليهم من القتل والإجلاء والعدوان حضورا ، وباعتبار ما سيحكي عنهم ـ وهو قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا) (١) ـ غيّبا.
وقوله : (تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ) إمّا حال والعامل فيها معنى الإشارة ، أو بيان لقوله : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ). وقيل : «هؤلاء» تأكيد ، والخبر هو الجملة. وقيل : «هؤلاء» بمعنى الّذين ، والجملة صلته ، والمجموع هو خبر «أنتم».
وقوله : (تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) حال من فاعل «تخرجون» أو مفعوله ، أو كليهما. والتظاهر : التعاون من الظهر. وقرأ عاصم والكسائي وحمزة بحذف إحدى التاءين تخفيفا.
__________________
(١) البقرة : ٨٦ ، وسيأتي تفسيرها في ص : ١٨٤.