ناواهم ، والضمان من الله لإظهار نيّته عليهم ، وكفايته من يشاقّه من اليهود والنصارى. وفيه دلالة على صحّة نبوّته ، لأنّه تعالى قد أنجز وعده ، فوافق المخبر الخبر. ومعنى السين أنّ ذلك كائن لا محالة ، وإن تأخّر إلى حين.
(وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) من تمام الوعد. يعني : أنّه يسمع أقوالكم ، ويعلم إخلاصكم ونيّاتكم من إظهار الدين ، فهو مستجيبكم وموصلكم إلى مرادكم ، ومجازيكم لا محالة. أو وعيد للمعرضين ، يعني : أنّه يسمع ما يبدون ، ويعلم ما يخفون من الحسد والحقد ، وهو معاقبهم عليه.
(صِبْغَةَ اللهِ) أي : صبغنا صبغته. فنصبها على أنّه مصدر مؤكّد لقوله : (آمَنَّا) (١) ، كما انتصب (وَعْدَ اللهِ) (٢) عمّا تقدّمه. وقيل : على الإغراء ، أي : عليكم صبغة الله ، بمعني : الزموها. وقيل : على البدل من (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) (٣). وهي فعلة من «صبغ» كالجلسة من «جلس» وهي الحالة الّتي يقع عليها الصبغ.
والمراد بها فطرة الله الّتي فطر الناس عليها ، فإنّها حلية الإنسان كما أنّ الصبغة حلية المصبوغ. أو هدانا هدايته فأرشدنا حجّته. أو طهّر قلوبنا بالإيمان تطهيره. وسمّاه صبغة ، لأنّ أثره ظهر عليهم ظهور الصبغ على المصبوغ ، وتداخل في قلوبهم تداخل الصّبغ الثوب. أو للمشاكلة ، فإنّ النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمّونه المعموديّة ، ويقولون : هو تطهير لهم ، وبه تتحقّق نصرانيّتهم ، فأمر المسلمون أن يقولوا : آمنّا بالله ، وصبغنا بالإيمان صبغة لا مثل صبغتكم ، أو طهرنا به تطهيرا لا مثل تطهيركم.
(وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) أي : لا صبغة أحسن من صبغته ، لأنّه يصبغ عباده بالإيمان ، ويطهّرهم به من أوساخ الكفر ، فلا صبغة أحسن من صبغة الله.
__________________
(١) في الآية (١٣٦ ـ ١٣٥) من سورة البقرة ، ومضى تفسيرها في ص : ٢٤٧.
(٢) النساء : ١٢٢ ، يونس : ٤.
(٣) في الآية (١٣٦ ـ ١٣٥) من سورة البقرة ، ومضى تفسيرها في ص : ٢٤٧.