وقيل : معناه : الّذين يناصبونكم القتال ، ويتوقّع ذلك منهم ، دون غيرهم من المشايخ والصبيان والرهبان والنساء أو الكفرة كلّهم ، فإنّهم بصدد قتال المسلمين وعلى قصده ، فهم في حكم المقاتلين.
(وَلا تَعْتَدُوا) بابتداء القتال ، أو بقتال المعاهد ، أو المفاجأة به من غير دعوة ، أو المثلة ، أو قتل من نهيتم عن قتله من النساء والصبيان والشيوخ (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) لا يريد بهم الخير.
روي عن أئمّتنا عليهمالسلام أنّ هذه الآية ناسخة لقوله تعالى : (كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) (١). وكذلك قوله : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) ناسخ لقوله : (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ) (٢).
ثمّ خاطب المؤمنين مبيّنا لهم كيفيّة القتال مع الكافرين ، فقال : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) وجدتموهم في حلّ أو حرم. وأصل الثقف الحذق في إدراك الشيء علما كان أو عملا ، وهو يتضمّن معنى الغلبة ، ولذلك يستعمل فيها (وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ) أي : مكّة ، كما أخرجوكم منها ، وقد فعل ذلك بمن لم يسلّم يوم الفتح.
(وَالْفِتْنَةُ) أي : المحنة الشديدة الّتي يفتتن بها الإنسان ، كالإخراج من الوطن المألوف (أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) أصعب منه ، لدوام تعبها وتألّم النفس بها جدّا ، ومنه قول القائل :
لقتل بحدّ السيف أهون موقعا |
|
على النفس من قتل بحدّ فراق |
وقيل لبعض الحكماء : ما أشدّ من الموت؟ قال : الّذي يتمنّى فيه الموت.
__________________
(١) النساء : ٧٧.
(٢) الأحزاب : ٤٨.