والثاني : أن يعفو ما فرط عنه ، ويرضى عنه ، ويبوّئه في أعلى علّيّين مع الملائكة المقرّبين أبد الآبدين.
والمراد هنا هو القسم الأخير وما يكون وصلة إلى نيله ، فإنّ ما عدا ذلك يشترك فيه المؤمن والكافر.
وروي عن ابن عبّاس أنّ المراد من (الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) هم الّذين كانوا أتباع موسى وعيسى ومطيعين لأوامرهما ونواهيهما. ويؤيّد ذلك قوله عزوجل بعد ذلك بدلا منه : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) يعني : اليهود ، لقوله تعالى : (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ) (١) (وَلَا الضَّالِّينَ) يعنى : النصارى ، لقوله تعالى : (قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً) (٢). والمعنى : أنّ المنعم عليهم هم الّذين سلموا من غضب الله والضلال. ويحتمل أن يكون صفة له ، وإن كان «غير» لا يقع صفة للمعرفة ولا يتعرّف بالإضافة إلى المعرفة ، لأنّ (الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) لا تعيين فيه ، كقوله :
... ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّني ...
ولأنّ (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) و (الضَّالِّينَ) خلاف المنعم عليهم ، فليس في «غير» إذن الإبهام الّذي أبى له أن يتعرّف ، فتعيّن تعيّن الحركة من غير السكون.
والمعنى : أنّهم جمعوا بين نعمة العصمة وبين السلامة من غضب الله والضلالة. وقال الحسن : إنّ الله تعالى لم يبرئ اليهود عن الضلالة بإضافة الضلال إلى النصارى ، ولم يبرئ النصارى عن الغضب بإضافة الغضب إلى اليهود ، بل كلّ واحدة من الطائفتين مغضوب عليهم وضالّون ، إلّا أنّ الله يخصّ كلّ فريق بسمة يعرف بها ويميّز بينه وبين غيره بها وإن كانوا مشتركين في صفات كثيرة.
وقيل : المراد بالمغضوب عليهم والضالّين جميع الكفّار ، وإنّما ذكروا بالصفتين
__________________
(١ ، ٢) المائدة : ٦٠ و ٧٧.