والتعجّب حيرة تعرض للإنسان لجهله بسبب المتعجّب منه (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) متعلّق بـ «قوله» أي : ما يقوله في أمور الدنيا وأسباب المعاش ودقائق تدابيره فيها ، أو في معنى الدنيا ، فإنّها مراده من ادّعاء المحبّة وإظهار الإيمان ، أو بـ «يعجبك» أي : يعجبك قوله في الدنيا حلاوة وفصاحة ، ولا يعجبك في الآخرة ، لما يعتريه من الدهشة والحبسة (١).
(وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ) يحلف ويستشهد الله على أنّ ما في قلبه موافق لكلامه من محبّتك والإيمان بك (وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ) شديد العداوة والجدال للمسلمين. والخصام المخاصمة. ويجوز أن يكون جمع خصم ، كصعب وصعاب ، بمعنى أشدّ الخصوم خصومة. وإضافة ألدّ إلى الخصام بمعني «في».
قيل : نزلت في الأخنس بن شريق الثقفيّ ، وكان حسن المنظر حلو المنطق ، يوالي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ويدّعي الإسلام. وقيل : عامّة في المنافقين ، كانت تحلولي (٢) ألسنتهم ، وقلوبهم أمرّ من الصّبر.
(وَإِذا تَوَلَّى) أدبر وانصرف عنك ، وقيل : إذا غلب وصار واليا (سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ) كما فعله الأخنس بثقيف ، إذ بيّتهم وأحرق زروعهم ، وأهلك مواشيهم. أو كما يفعله ولاة السوء بالقتل والإتلاف أو بالظلم ، حتى يمنع الله بشؤمه المطر ، فيهلك الحرث والنسل (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) لا يرتضيه ، فاحذروا غضبه عليه.
وفيه دلالة على بطلان قول المجبّرة : إنّ الله تعالى يريد القبائح ، لأنّه سبحانه نفي عن نفسه محبّة الفساد ، والمحبّة هي الإرادة ، لأنّ كلّ ما أحبّ الله أن يكون فقد أراد أن يكون ، وما لا يحبّ أن يكون لا يريد أن يكون.
__________________
(١) الحبسة : تعذّر الكلام.
(٢) أي : كان منطقهم حلوا ، واحلولى الشيء : صار حلوا. والصّبر : عصارة شجر مرّ.