عمّا يحتاجون فيه إلى النظر والاستدلال. ولو فعلوا ذلك لعطّلوا الطريق الّذي يتوصّل إلى معرفة الله وتوحيده ، ولكان لا يتبيّن فضل العلماء الّذين ينقّبون بقرائحهم في استخراج المعاني المتشابهة ، وردّ ذلك إلى المحكم.
وأمّا قوله : (الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ) (١) فمعناه : أنّها حفظت من فساد المعنى وركاكة اللفظ. وقوله : (كِتاباً مُتَشابِهاً) (٢) فمعناه : أنّه يشبه بعضه بعضا في صحّة المعنى وجزالة اللفظ.
و «أخر» جمع أخرى. وإنّما لم ينصرف لأنّه وصف معدول عن الآخر ، ولا يلزم منه معرفته ، لأنّ معناه أنّ القياس أن يعرّف ولم يعرّف ، لا أنّه في معنى المعرّف ، أو عن : آخر من.
(فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) أي : ميل وعدول عن الحقّ ، فيتّبعون ما تشابه منه كالمبتدعة (فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ) فيتعلّقون بالمتشابه الّذي يحتمل ما يذهب إليه أهل البدعة ممّا لا يطابق المحكم ، ويحتمل ما يطابقه من قول أهل الحقّ (ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ) طلب أن يفتنوا الناس عن دينهم بالتشكيك والتلبيس ومناقضة المحكم بالمتشابه ، فيضلّونهم (وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) وطلب أن يؤوّلوه على ما يشتهونه. ويحتمل أن يكون الداعي إلى الاتّباع مجموع الطلبتين ، أو كلّ واحدة منهما على التعاقب. والأوّل يناسب المعاند ، والثاني يلائم الجاهل.
(وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ) الّذي يجب أن يحمل عليه (إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) والعلماء الّذين رسخوا في العلم ، أي : ثبتوا فيه وتمكّنوا. ومن وقف على «الله» فسّر المتشابه بما استأثر الله تعالى بعلمه ، كمدّة بقاء الدنيا ، ووقت قيام الساعة ، وخواصّ الأعداد كعدد الزبانية ، أو بما دلّ القاطع على أنّ ظاهره غير مراد ،
__________________
(١) هود : ١.
(٢) الزمر : ٢٣.