الإظهار ـ فيما نهوا عنه ، فقال : (قُلْ إِنْ تُخْفُوا) تسرّوا (ما فِي صُدُورِكُمْ) ما في قلوبكم من ولاية الكفّار أو غيرها ممّا لا يرضى الله. وإنّما ذكر الصدر لأنّه محلّ القلب (أَوْ تُبْدُوهُ) تظهروه (يَعْلَمْهُ اللهُ) ولم يخف عليه ، فلا ينفعكم إخفاؤه (وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) فيعلم سرّكم وعلنكم (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيقدر على عقوبتكم إن لم تنتهوا عمّا نهيتم عنه.
والآية بيان لقوله : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) ، فكأنّه قال : ويحذّركم ذاته المميّزة من سائر الذوات ، لأنّها متّصفة بعلم ذاتيّ محيط بالمعلومات كلّها ، وقدرة ذاتيّة تعمّ المقدورات بأسرها ، فلا تجسروا على عصيانه ، إذ ما من معصية إلّا وهو مطلّع عليها ، قادر على العقاب بها.
ولمّا حذّر العقاب في الآية المتقدّمة بيّن وقت العقاب ، فقال : (يَوْمَ تَجِدُ) منصوب بـ «اذكر» ، يعني : اذكر (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ) في الدنيا (مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً) أي : مكتوبا في صحفهم يقرءونه ، ونحوه : (وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً) (١) (وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ) والمعنى : تجد كلّ نفس صحائف أعمالها أو جزاء أعمالها من الخير والشرّ حاضرة (تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ) وبين ذلك اليوم (أَمَداً بَعِيداً).
وهذه الجملة الفعليّة حال من الضمير في (عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ). أو خبر لـ (ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ) و «تجد» مقصور على مفعول (ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ). أو يكون (يَوْمَ تَجِدُ) منصوبا بـ «تودّ» يعني : تتمنّى كلّ نفس يوم تجد جزاء أعمالها لو أنّ بينها وبينه مدّة بعيدة متمادية ، كقوله : (يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ) (٢). ولا تكون «ما» شرطيّة ، لارتفاع «تودّ».
__________________
(١) الكهف : ٤٩.
(٢) الزخرف : ٣٨.