وليس الذكر والأنثى سيّان في ما نذرت ، فتكون اللام للجنس (وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ) عطف على ما قبلها من مقالها ، وما بينهما اعتراض. وإنّما ذكرت ذلك لربّها تقرّبا إليه ، وطلبا لأنّ يعصمها ويصلحها ، حتى يكون فعلها مطابقا لاسمها ، فإنّ مريم في لغتهم بمعنى العابدة.
روي الثعلبي بإسناده عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «حسبك من نساء العالمين أربع : مريم بنت عمران ، وآسية امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم».
(وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها) أجيرها بحفظك (مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) المطرود. وأصل الرجم الرمي بالحجارة.
وعن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «ما من مولود يولد إلّا والشيطان يمسّه حين يولد ، فيستهلّ صارخا من مسّه ، إلّا مريم وابنها». ومعناه : أنّ الشيطان يطمع في إغواء كلّ مولود بحيث يتأثّر منه ، إلّا مريم وابنها ، فإنّ الله عصمهما ببركة هذه الاستعاذة».
(فَتَقَبَّلَها رَبُّها) فرضي بها في النذر مكان الذكر (بِقَبُولٍ حَسَنٍ) بوجه حسن تقبل به النذائر ، وهو إقامتها مقام الذكر ، أو تسلّمها من أمّها عقيب ولادتها قبل أن تكبر وتصلح للسدانة. ويجوز أن يكون مصدرا على تقدير مضاف ، أي :
بأمر ذي قبول حسن ، وأن يكون «تقبّل» بمعنى : استقبل ، كتقضّى وتعجّل ، بمعنى :
استقضى واستعجل ، يقال : استقبل الأمر إذا أخذ بأوّله وعنفوانه ، أي : فيأخذها في أوّل أمرها حين ولدت قبل أن تكبر وتصلح للسدنة بقبول حسن.
روي : «أنّ حنّة لمّا ولدتها لفّتها في خرقة وحملتها إلى المسجد ووضعتها عند الأحبار وقالت : خذوا هذه النذيرة ، فتنافسوا فيها لأنّها كانت بنت إمامهم وصاحب قربانهم ، فإنّ بني ماثان كانت رؤوس بني إسرائيل وملوكهم ، فقال زكريّا : أنا أحقّ بها ، لأنّ خالتها كانت عندي ، فأبوا إلّا القرعة ، وكانوا سبعة وعشرين ،