الشيء ما يملؤه. و «ذهبا» نصب على التمييز. (وَلَوِ افْتَدى بِهِ) محمول على المعنى ، كأنّه قيل : فلن يقبل من أحدهم فدية ولو افتدى بملء الأرض ذهبا. أو معطوف على مضمر تقديره : فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا لو تقرّب به في الدنيا ، ولو افتدى به من العذاب في الآخرة. أو المراد : ولو افتدى بمثله. والمثل يحذف كثيرا في كلامهم ، قالوا : ضربته ضرب زيد ، أي : مثل ضربه ، وقضيّة ولا أبا حسن لها ، أي : لا مثل أبي حسن ، كما أنّه يراد في نحو قولهم : مثلك لا يفعل كذا ، أي : أنت لا تفعل.
(أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) مبالغة في التحذير وإقناط كلّي ، لأنّ من لا يقبل منه الفداء ربما يعفى عنه تكرّما (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) في دفع العذاب. و «من» مزيدة للاستغراق.
ولمّا ذكر في هذه الآية (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً) وصل ذلك بقوله : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) لئلّا يؤدّي امتناع غناء الفدية إلى الفتور في الصدقة ، وما جرى مجراها من وجوه الطاعة.
ومعنى الآية : لن تبلغوا حقيقة البرّ الذي هو كمال الخير. وقيل : لن تنالوا برّ الله ـ وهو الثواب والرحمة والرضا ـ حتى تنفقوا من أموالكم الّتي تحبّونها ، كقوله : (أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ ... وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ) (١) الآية ، أو ممّا يعمّ الأموال وغيرها ، كبذل الجاه في معاونة الناس ، والبدن في طاعة الله ، والمهجة في سبيله.
روي عن أبي الطفيل قال : «اشترى عليّ عليهالسلام ثوبا فأعجبه فتصدّق به وقال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : من آثر على نفسه آثره الله يوم القيامة بالجنّة ، ومن أحبّ شيئا فجعله لله قال الله تعالى يوم القيامة : قد كان العباد يكافئون فيما بينهم بالمعروف ، وأنا أكافئك اليوم بالجنّة».
__________________
(١) البقرة : ٢٦٧.