ومن جعل فاعله (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) كان المفعول الأول عنده محذوفا تقديره : لا يحسبنّ الّذين يبخلون بخلهم هو خيرا لهم ، وإنّما حذف لدلالة «يبخلون» عليه. ولفظ «هو» فصل.
(بَلْ هُوَ) أي : البخل (شَرٌّ لَهُمْ) لاستجلاب العقاب عليهم. وقوله : (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) تفسير وبيان لقوله : (هُوَ شَرٌّ لَهُمْ) أي : سيلزمون وبال ما بخلوا به إلزام الطوق. وفي أمثال العرب : تقلّدها طوق الحمامة إذا فعل فعلة يذمّ بها.
وقيل : يجعل ما بخل به من الزكاة حيّة يطوّقها في عنقه يوم القيامة ، تنهشه من قرنه إلى قدمه ، وتنقر رأسه وتقول : أنا مالك.
وهذا قول ابن عبّاس وابن مسعود والسدّي والشعبي وغيرهم. وهو المرويّ عن أبي جعفر عليهالسلام.
وقد روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «ما من رجل لا يؤدّي زكاة ماله إلّا جعل الله له شجاعا (١) في عنقه يوم القيامة ، ثمّ تلا هذه الآية».
وقال عليهالسلام : «ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه يسأله من فضل أعطاه الله إيّاه ، فيبخل به عنه ، إلّا أخرج الله له من جهنّم شجاعا أقرع يتلمّظ (٢) بلسانه حتى يطوّقه ، وتلا هذه الآية».
وعن النخعي معناه : يجعل في عنقه يوم القيامة طوقا من نار جهنّم.
وروي عن ابن عبّاس : أنّ المراد بالآية الّذين يبخلون ببيان صفة محمد ، والفضل هو التوراة الّتي فيها صفته. والأوّل أليق بسياق الآية.
(وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وله ما فيهما ممّا يتوارث ، فما لهؤلاء يبخلون عليه بما له ، ولا ينفقون في سبيله؟! أو أنّه يرث منهم ما يمسكونه ولا ينفقونه في سبيله بهلاكهم ، وتبقى عليهم الحسرة والعقوبة. (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) من
__________________
(١) الشجاع : ضرب من الحيّات.
(٢) تلمّظت الحيّة : أخرجت لسانها.