الوجود إلى حيث لا تحتاج في قوامها إلى مادة ، وذلك أن تصير في جملة الأشياء البريئة عن الأجسام ، وفي جملة الجواهر المفارقة للمواد ، وأن تبقى على تلك الحال دائما أبدا. إلا أن رتبتها تكون دون رتبة العقل الفعّال (١). وإنما تبلغ ذلك بأفعال ما ارادية ، بعضها أفعال فكرية ، وبعضها أفعال بدنية ، وليست بأي أفعال اتفقت ، بل بأفعال ما محدودة مقدرة تحصل عن هيئات ما وملكات ما مقدّرة محدودة. وذلك أن من الأفعال الارادية ما يعوق عن السعادة. والسعادة هي الخير المطلوب لذاته ، وليست تطلب أصلا ولا في وقت من الأوقات لينال بها شيء آخر ، وليس وراءها شيء آخر يمكن أن يناله الانسان أعظم منها (٢). والأفعال الارادية التي تنفع في بلوغ السعادة هي الأفعال الجميلة. والهيئات والملكات التي تصدر عنها هذه الأفعال هي الفضائل. وهذه خيرات هي لا لأجل ذواتها بل انما هي خيرات لأجل السعادة. والأفعال التي تعوق عن السعادة هي الشرور ، وهي الأفعال القبيحة. والهيئات والملكات التي عنها تكون هذه الأفعال هي النقائص والرذائل والخسائس (٣).
فالقوة الغاذية التي في الانسان انما جعلت لتخدم البدن ، وجعلت الحاسة والمتخيلة لتخدما البدن ولتخدما القوة الناطقة. وخدمة هذه الثلاثة للبدن راجعة إلى خدمة القوة الناطقة ، إذ كان قوام الناطقة أولا بالبدن.
_________________
١) السعادة هي حصول المعقولات للانسان.
٢) السعادة هي الخير المطلوب لذاته.
٣) بالأعمال الفاضلة نبلغ السعادة.