ثم يتفاوت هؤلاء تفاوتا كثيرا : فمنهم من يقبل الجزئيات ويراها في اليقظة فقط ولا يقبل المعقولات؛ ومنهم من يقبل المعقولات ويراها في اليقظة ، ولا يقبل الجزئيات؛ ومنهم من يقبل بعضها ويراها دون بعض؛ ومنهم من يرى شيئا في يقظته ولا يقبل بعض هذه في نومه؛ ومنهم من لا يقبل شيئا في يقظته ، بل إنما يقبل ما يقبل في نومه فقط ، فيقبل في نومه الجزئيات ولا يقبل المعقولات ، ومنهم من يقبل شيئا من هذه وشيئا من هذه؛ ومنهم من يقبل شيئا من الجزئيات فقط؛ وعلى هذا يوجد الأكثر. والناس أيضا يتفاضلون في هذا (١).
وكل هذه معاونة للقوة الناطقة. وقد تعرض عوارض يتغيّر بها مزاج الانسان ، فيصير بذلك معدا لأن يقبل عن العقل الفعّال بعض هذه في وقت اليقظة أحيانا ، وفي النوم أحيانا. فبعضهم يبقى ذلك فيهم زمانا ، وبعضهم إلى وقت ما ثم يزول. وقد تعرض أيضا للانسان عوارض ، فيفسد بها مزاجه وتفسد تخاييله؛ فيرى أشياء مما تركبه القوة المتخيلة على تلك الوجوه مما ليس لها وجود ، ولا هي محاكاة لموجود. وهؤلاء الممرورون والمجانين وأشباههم (٢).
_________________
١) تفاوت الناس في قبول ما يفيض على مخيلتهم من العقل الفعّال.
٢) قد تفسد المتخيلة فتركب أشياء ليس لها وجود وليست محاكاة لموجود كما هو حال المجانين والممرورين.