والمدينة الفاضلة تشبه البدن التام الصحيح ، الذي تتعاون أعضاؤه كلها على تتميم حياة الحيوان ، وعلى حفظها عليه. وكما أن البدن أعضاؤه مختلفة متفاضلة الفطرة والقوى ، وفيها عضو واحد رئيس وهو القلب ، وأعضاؤه تقرب مراتبها من ذلك الرئيس ، وكل واحد منها جعلت فيه بالطبع قوة يفعل بها فعله ، ابتغاء لما هو بالطبع غرض ذلك العضو الرئيس ، وأعضاء أخر فيها قوى تفعل أفعالها على حسب أغراض هذه التي ليس بينها وبين الرئيس واسطة ـ فهذه في الرتبة الثانية ـ وأعضاء أخر تفعل الأفعال على حسب غرض هؤلاء الذين في هذه المرتبة الثانية ، ثم هكذا إلى أن تنتهي إلى أعضاء تخدم ولا ترؤس أصلا. وكذلك المدينة ، أجزاؤها مختلفة الفطرة ، متفاضلة الهيئات. وفيها انسان هو رئيس ، وأخر يقرب مراتبها من الرئيس. وفي كل واحد منها هيئة وملكة يفعل بها فعلا يقتضي به ما هو مقصود ذلك الرئيس. وهؤلاء هم أولو المراتب الأول. ودون هؤلاء قوم يفعلون الأفعال على حسب أغراض هؤلاء ، وهؤلاء هم في الرتبة الثانية. ودون هؤلاء أيضا من يفعل الأفعال على حسب أغراض هؤلاء. ثم هكذا تترتب أجزاء المدينة إلى أن تنتهي إلى أخر يفعلون أفعالهم على حسب أغراضهم ، فيكون هؤلاء هم الذين يخدمون ولا يخدمون ، ويكونون في أدنى المراتب ، ويكونون هم الأسفلين (١).
غير أن أعضاء البدن طبيعية ، والهيئات التي لها قوى طبيعية
_________________
١) المدينة الفاضلة تشبه البدن التام الصحيح ، فتتركب مثله من أجزاء مختلفة الفطرة متفاضلة الهيئات فيها رئيس وطبقات متراتبة.