ولا يرأس بها أصلا. فكذلك ليس يمكن أن تكون صناعة رئاسة المدينة الفاضلة أية صناعة ما اتفقت ، ولا أية ملكة ما اتفقت (١).
وكما أن الرئيس الأول في جنس لا يمكن أن يرأسه شيء من ذلك الجنس ، مثل رئيس الأعضاء ، فإنه هو الذي لا يمكن أن يكون عضو آخر رئيسا عليه؛ وكذلك في كل رئيس في الجملة. كذلك الرئيس الأول للمدينة الفاضلة ينبغي أن تكون صناعته صناعة لا يمكن أن يخدم بها أصلا ، ولا يمكن فيها أن ترأسها صناعة أخرى أصلا. بل تكون صناعته صناعة نحو غرضها تؤم الصناعات كلها ، وايّاه يقصد بجميع أفعال المدينة الفاضلة. ويكون ذلك الانسان انسانا لا يكون يرأسه انسان أصلا؛ وانما يكون ذلك الانسان انسانا قد استكمل ، فصار عقلا ومعقولا بالفعل. وقد استكملت قوته المتخيلة بالطبع غاية الكمال على ذلك الوجه الذي قلنا ، وتكون هذه القوة منه معدّة بالطبع لتقبل ، إما في وقت اليقظة أو في وقت النوم ، عن العقل الفعّال الجزئيات ، إما بأنفسها وإما بما يحاكيها ، ثم المعقولات بما يحاكيها. وأن يكون عقله المنفعل قد استكمل بالمعقولات كلها ، حتى لا يكون ينفي عليه منها شيء ، وصار عقلا بالفعل (٢).
فأي انسان استكمل عقله المنفعل بالمعقولات كلها ، وصار عقلا بالفعل ومعقولا بالفعل ، وصار المعقول منه هو الذي يعقل ، حصل له حينئذ عقل ما بالفعل رتبته فوق العقل المنفعل ، أتم وأشدّ مفارقة
_________________
١) رئاسة المدينة تقتضي ملكة فطرية وملكة ارادية.
٢) رئيس المدينة انسان استكمل عقله ومخيلته.