أنفسهم ، والمدن المضادة لها وما تؤول إليه أنفسهم بعد الموت : اما بعضهم إلى الشقاء واما بعضهم إلى العدم ، ثم الأمم الفاضلة والأمم المضادة لها (١).
وهذه الأشياء تعرف بأحد وجهين : إما أن ترتسم في نفوسهم كما هي موجودة ، وإما أن ترتسم فيها بالمناسبة والتمثيل ، وذلك أن يحصل في نفوسهم مثالاتها التي تحاكيها. فحكماء المدينة الفاضلة هم الذين يعرفون هذه ببراهين وببصائر أنفسهم. ومن يلي الحكماء يعرفون هذه على ما هي عليه موجودة ببصائر الحكماء اتباعا لهم وتصديقا لهم وثقة بهم. والباقون منهم يعرفونها بالمثالات التي تحاكيها ، لأنهم لا هيئة في أذهانهم لتفهمها على ما هي موجودة إما بالطبع وإما بالعادة وكلتاهما معرفتان. الا أن التي للحكيم أفضل لا محالة؛ والذين يعرفونها بالمثالات التي تحاكيها ، بعضهم يعرفونها بمثالات قريبة منها ، وبعضهم بمثالات أبعد قليلا ، وبعضهم بمثالات أبعد من تلك ، وبعضهم بمثالات بعيدة جدا. وتحاكى هذه الأشياء لكل أمة ولأهل كل مدينة بالمثالات التي عندهم الأعرف فالأعرف ، وربما اختلف عند الأمم اما أكثره واما بعضه ، فتحاكي هذه لكل أمة بغير الأمور التي تحاكي بها الأمة الأخرى. فلذلك يمكن أن يكون أمم فاضلة ومدن فاضلة تختلف
_________________
١) المعارف التي ينبغي أن يحصلها أهل المدينة الفاضلة ليسعدوا هي فلسفة الفارابي التي تضمنها هذا الكتاب ابتداء من معرفة الله وصفاته وانتهاء بالأمم الفاضلة والأمم المضادة لها ، مرورا بالثواني والعقل الفعّال وكون الأجسام الطبيعية وفسادها وكون الانسان وقواه ورئيس المدينة الفاضلة وأهلها والمدن المضادة ومصير نفوسهم بعد الموت.