وعلاقات الأمم تقوم مثل علاقات الأفراد على التغالب والقهر. ولكنها تستحيل الى علاقات مسالمة اذا تعادلت قواها ، والى علاقات تحالف اذا ظهر عدد مشترك ، والى علاقات معاملة ومخاتلة اذا أمنت المعاملة مصالحها في الهيمنة والكسب.
بيد أن الفارابي يورد رأيا مغايرا ، يذهب الى أن قانون التغالب لا يوجد إلاّ بين الأنواع المختلفة ، أما ضمن النوع الواحد فيسود قانون آخر هو قانون التسالم. وبالنسبة للناس هناك رباط يجمعهم هو انتماؤهم الى نوع واحد هو الانسانية. ولذا ينبغي أن يتسالموا فيما بينهم ، ويتكاتفوا على مغالبة سائر الأنواع. واذا وجدت أمة تبغي التغالب يحق للأمم الأخرى ردعها عن غيها بواسطة قوة تعدها لهذا الهدف.
كما يورد في النهاية رأيا آخر مغايرا لقانون الصراع والتغالب ذا نزعة صوفية ، يذهب الى أنّ السعادة لا تدرك في هذه الحياة الدنيا ، بل في الآخرة. ولذا يجدر التخلص من الوجود الدنيوي باماتة البدن ، والرغبة عن الشهوات والملذات ، وكبت الغضب ونزعة التغلب.
* * *
والخلاصة أن الفارابي حاول رسم صورة شاملة للعالم ، عالم يفيض عن إله متسام عليه لا يعقله يتكون من قسمين : سماوي وأرضي؛ القسم السماوي يتألف من تسعة أفلاك وعشرة عقول مفارقة دعاها الثواني ، وكل منها ـ عدا أولها الذي يأتي مباشرة بعد الله ـ يقابله فلك يعتبر مقرا له. ودعا العقل الأخير الذي يقابل القمر بالعقل الفعال ، وخصه بمهمة العناية بالعقل الانساني ونقله من القوة الى الفعل.
أما القسم الأرضي من العالم فهو الأرض وما عليها من كائنات وهي كلها