والنوع الثالث من المدن المضادة هو المدينة المبدلة ، وقد دعيت بهذا الاسم لأن آراء أهلها وأفعالهم كانت في الماضي آراء وأفعال أهل المدينة الفاضلة ، ولكنها الآن تبدلت وحلت مكانها آراء وأفعال مغايرة.
وأخيرا نصل الى النوع الرابع من المدن المضادة ، أي المدينة الضالة. وهي التي تعتقد في الله والثواني والسعادة ... الخ اعتقادات فاسدة ويتوهم رئيسها أنه أوحي اليه ويلجأ الى التمويه والخداع.
ومصير أهل المدن المضادة بائس يتراوح بين الهلاك والشقاء. فأهل المدن الجاهلة تنحل نفوسهم الى صور الاسطقسات الأربع ، ويصيرون الى العدم كالبهائم والأفاعي ويهلكون.
ونفوس أهل المدن الفاسقة لا تغنى بفضل الآراء الفاضلة التي اكتسبتها وإنما تشقى بالآلام بسبب أفعالها الرديئة.
ومصير أهل المدن الضالة الهلاك والاضمحلال مثل أهل المدينة الجاهلة ، أما رئيسهم فمصيره الى الشقاء كأهل المدن الفاسقة.
ومصير أهل المدينة المبدلة الهلاك ، ومصير رئيسهم الشقاء.
ويعرض الفارابي آراء ومعتقدات أهل المدن المضادة وأهمها ظنهم أن الموجودات متضادة تتغالب على الوجود وينتصر الأتم وجودا والأقوى ، ويهلك الأضعف أو يخضع للأقوى. وقانون الصراع هذا مطبق على البشر أفرادا ومجتمعات. فإنه لا تحاب ولا ارتباط بينهم لا بالطبع ولا بالارادة ، وشريعة الغاب هي السائدة : القوي يقهر الضعيف فيقتله أو يسخره لخدمته ، إنه الداء السبعي.
واذا قام مجتمع فإنما يقوم إمّا على القهر أو على القرابة ، أو على التعاهد ، أو على تشابه الخلق والشيم واللغة ، أو على الاشتراك في الموطن الواحد.