المادة التي فيها يوجد الشيء. فمتى كان الشيء في وجوده غير محتاج إلى مادة ، كان ذلك الشيء بجوهره عقلا بالفعل : وتلك حال الأول. فهو إذن عقل بالفعل (١)، وهو أيضا معقول بجوهره. فإن المانع أيضا للشيء من أن يكون بالفعل معقولا هو المادة. وهو معقول من جهة ما هو عقل (٢)؛ لأن الذي هويته عقل ليس يحتاج في أن يكون معقولا إلى ذات أخرى خارجة عنه تعقله؛ بل هو بنفسه يعقل ذاته ، فيصير بما يعقل من ذاته عاقلا وعقلا بالفعل ، وبأن ذاته تعقله (يصير) معقولا بالفعل. وكذلك لا يحتاج في أن يكون عقلا بالفعل وعاقلا بالفعل إلى ذات يعقلها ويستفيدها من خارج ، بل يكون عقلا وعاقلا بأن يعقل ذاته. فإن الذات التي تعقل هي التي تعقل ، فهو عقل من جهة ما هو معقول؛ فإنه عقل وإنه معقول وإنه عاقل (٣). هي كلها ذات واحدة وجوهر واحد غير منقسم. فإن الانسان مثلا معقول وليس المعقول منه معقولا بالفعل ، بل كان معقولا بالقوة ثم صار معقولا بالفعل بعد أن عقله العقل. فليس إذن المعقول من الانسان هو الذي يعقل ، ولا العقل منه أبدا هو المعقول ، ولا عقلنا نحن من جهة ما هو عقل هو معقول ، ونحن عاقلون لا بأن جوهرنا عقل؛ فإن ما نعقل ليس هو الذي به تجوهرنا. فالأول ليس كذلك ، بل العقل والعاقل والمعقول فيه معنى واحد ، وذات واحدة ، وجوهر واحد غير منقسم (٤).
_________________
١) الله عقل بالفعل.
٢) الله معقول من ذاته.
٣) الله لا يعقل سوى ذاته.
٤) الفرق بين الله والانسان العقل من غير المعقول.