لوجوده ، وإن كان ناقص الوجود ، كان معقوله في نفوسنا معقولا أنقص (١).
فإن الحركة والزمان واللانهاية والعدم وأشباهها من الموجودات ، فالمعقول من كل واحد منها في نفوسنا معقول ناقص ، إذ كانت هي في أنفسها موجودات ناقصة الوجود. والعدد والمثلث والمربع وأشباهها فمعقولاتها في أنفسنا أكمل لأنها هي في أنفسها أكمل وجودا ، فلذلك كان يجب في الأول ، إذ هو في الغاية من كمال الوجود ، أن يكون المعقول منه في نفوسنا على نهاية الكمال أيضا. ونحن نجد الأمر على غير ذلك ، فينبغي أن نعلم أنه من جهته غير معتاص الادراك ، إذ كان في نهاية الكمال؛ ولكن لضعف قوى عقولنا نحن ولملابستها المادة والعدم ، يعتاص ادراكه ، ويعسر علينا تصوره ، ونضعف من أن نعقله على ما هو عليه وجوده ، فإن افراط كماله يبهرنا ، فلا نقوى على تصوره على التمام ، كما أن الضوء هو أول المبصرات وأكملها وأظهرها ، به يصير سائر المبصرات مبصرة ، وهو السبب في أن صارت الألوان مبصرة. ويجب فيها أن يكون كل ما كان أتم وأكبر ، كادراك البصر له أتم. ونحن نرى الأمر على خلاف ذلك ، فإنه كلما كان أكبر كان ابصارنا له أضعف ، ليس لأجل خفائه ونقصه ، بل هو في نفسه على غاية ما يكون من الظهور والاستنارة؛ ولكن كماله ، بما هو نور ، يبهر الأبصار ، فتحار الأبصار عنه.
_________________
١) العلم يتبع المعلوم فإذا كان المعلوم ناقصا كان علمنا به ناقصا وإذا كان تاما كان علمنا به تاما.