كذلك قياس السبب الأول والعقل الأول والحق الأول ، وعقولنا نحن. ليس نقص معقوله عندنا لنقصانه في نفسه ، ولا عسر إدراكنا له لعسره في وجوده ، لكن لضعف قوى عقولنا نحن عسر تصوره (١).
فتكون المعقولات التي هي في أنفسنا ناقصة ، وتصورنا لها ضعيف. وهذا على ضربين : ضرب ممتنع من جهة ذاته أن يتصور فيعقل تصورا تاما لضعف وجوده ونقصان ذاته وجوهره ، وضرب مبذول من جهة فهمه وتصوره على التمام وعلى أكمل ما يكون. ولكن أذهاننا وقوى عقولنا ممتنعة ، لضعفها وبعدها عن جوهر ذلك الشيء ، من أن نتصوره على التمام وعلى ما هو عليه من كمال الوجود. وهذان الضربان كل واحد منهما هو من الآخر في الطرف الأقصى من الوجود : أحدهما في نهاية الكمال ، والآخر في نهاية النقص (٢).
ويجب إذا كنا نحن ملتبسين بالمادة ، كانت هي السبب في أن صارت جواهرنا جوهرا يبعد عن الجوهر الأول ، إذ كلما قربت
_________________
١) يعسر علينا ادراك الله لشدة كماله وعظمته من جهة ولضعف قوى عقولنا وملامستها المادة من جهة ثانية.
٢) تكون المعقولات في أنفسنا ناقصة لسببين ١) إما لضعف وجود المعقولات ونقصان جوهرها ٢) وإما لشدة تمامها.