لا نسبة لادراكنا نحن إلى ادراكه ، ولا لمعلومنا إلى معلومه ، ولا للأجمل عندنا إلى الأجمل من ذاته؛ وان كانت له نسبة فهي نسبة ما يسيرة. فإذن لا نسبة لالتذاذنا وسرورنا واغتباطنا لأنفسنا إلى ما للأول من ذلك. وان كانت له نسبة فهي نسبة يسيرة جدا. فإنه كيف يكون نسبة لما هو جزء يسير إلى ما مقداره غير متناه في الزمان ، ولما هو أنقص جدا إلى ما هو في غاية الكمال (١)؟
وان كان ما يلتذ بذاته ويسر به أكثر ويغتبط به اغتباطا أعظم ، فهو يحب ذاته ويعشقها ويعجب بها أكثر ، فإنه بيّن أن الأول يعشق ذاته ويحبها ويعجب بها اعجابا بنسبته (٢). ونسبته إلى عشقنا لما نلتذ به من فضيلة ذاتنا كنسبة فضيلة ذاته هو ، وكمال ذاته ، إلى فضيلتنا نحن وكمالنا الذي نعجب به من أنفسنا ، والمحب منه هو المحبوب بعينه ، والمعجب منه هو المعجب منه ، والعاشق منه هو المعشوق. وذلك على خلاف ما يوجد فينا ، فان المعشوق منا هو الفضيلة والجمال ، وليس العاشق منا هو الجمال والفضيلة. لكن للعاشق قوة أخرى ، فتلك ليست للمعشوق؛ فليس العاشق منا هو المعشوق بعينه. فأما هو فان العاشق منه هو بعينه المعشوق ، والمحب هو المحبوب ، فهو المحبوب الأول والمعشوق الأول ، أحبه غيره أو لم يحبه ، وعشقه غيره أو لم يعشقه (٣).
_________________
١) لا نسبة بين لذتنا ولذة الله.
٢) الله يحب ذاته فهو المحب والمحبوب.
٣) اما الانسان فالمحب هو الذات والمحبوب هو الفضيلة والجمال.