مقدمة
يعتبر كتاب «آراء أهل المدينة الفاضلة ومضاداتها» أهم مؤلفات الفارابي لسببين : أولا لأنه يمثل مرحلة النضج من حياته الفكرية ، إذ ألفه في شيخوخته وأودعه خلاصة ما انتهى إليه من نظرات وتأملات فلسفية. وثانيا : لأنه شامل يحتوي على مختلف نواحي فلسفته الميتافيزيقية والطبيعية والنفسية والاجتماعية والسياسية والخلقية.
ونظرا لتداخل هذه النواحي يمكن أن ندرسها وندرجها تحت العناوين التالية : الله ، العالم ، النفس ، الأخلاق ، الاجتماعات المدنية.
١ ـ الله :
يعرفه الفارابي بأنه الموجود الأول والسبب الأول لوجود سائر الموجودات ، كما عرفه أرسطو من قبل. ولا يهتم بذكر الأدلة على وجوده ، بل ينصرف إلى الكلام على صفاته باسهاب منطلقا من التحديد الذي أعطاه إياه.
تلك الصفات هي الكمال ، والسرمدية ، والوجود بالفعل ، وعدم وجود علة مادية أو صورية أو غائية أو فاعلية له ، وعدم وجود شبيه أو ضد له ، وعدم إمكان حده ، عدا الوحدانية والعلم والحكمة والحياة والحقيقة.