ويؤكد الفارابي على أن الله لا يعلم سوى ذاته كما قال أرسطو ، وهذا يعني أنه لا يعلم ما يجري في العالم. ونحن لا نستطيع أن نعلمه لشدة كماله وعظمته من جهة ، ولضعف عقولنا وملابستها المادة من جهة ثانية.
والله جميل ، ولا يعني جماله سوى كماله. وهو مغتبط ملتذ لأن الغبطة واللذة تحصلان من إدراك الجمال ، والله يدرك ذاته فيغتبط ويلتذ بهذا الإدراك.
والأسماء التي نسبغها على الله يجب أن تدل على كماله وليس على كمالاتنا نحن. إن أسماء الأشياء تدل على ماهياتها في ذاتها أو على ماهياتها بالإضافة إلى غيرها.
٢ ـ العالم :
يتبنى الفارابي نظرية الفيض الأفلوطينية فيقول إن وجود الموجودات لازم بالضرورة عن وجود الله ، وإن ذلك الوجود يتم بالفيض والله لا يبتغي أية غاية من إيجاد العالم ، ولا يحتاج الى آلة يستعين بها في عملية خلق العالم ، ولا يقف في وجهه عائق يحول بينه وبين ما شاء.
تبدأ الموجودات الصادرة عنه بأكملها وجودا ثم يتلوه ما هو أنقص منه قليلا ، ويستمر الصدور حتى تنقطع الموجودات عن الوجود. وهي ترتبط ببعضها البعض ارتباطا تصير معه الأشياء كلها جملة واحدة. وما ترتبط به سواء كانت جواهرها أو تابعا لجواهرها مستفاد من الله.
يفيض عن الله ، أو العقل الأول ، العقل الثاني ، وهو جوهر غير متجسم وليس في مادة ، يعقل الله فيلزم عنه عقل ثالث مثله ، ويعقل ذاته فيلزم عنه وجود السماء الأولى.
والعقل الثالث يعقل الله ويعقل ذاته ، فيلزم عن ذلك وجود العقل الرابع والسماء الأولى.
وتمضي العملية على هذا النحو حتى تنتهي الى العقل الحادي عشر الذي يدعوه العقل الفعال والى كوكب القمر وهو الكوكب التاسع بعد السماء الأولى ،